[ هذا المقال جزء من ”أصوات من أجل غزة" وهو ملف خاص تنشره جدلية على مدار شهر كامل. للإطلاع على بقية المقالات اضغط/ي هنا]
مع تراجع دور الحركة الوطنية الفلسطينية بعد اتفاقات أوسلو وضعف كافة أشكال التنظيم التابعة لها أو لأحزابها (جاد 2008)، أدّت عملية أوسلو وخصوصاً آليات التمويل للسلطة الفلسطينية إلى هيمنة خطاب "التنمية" و"بناء الدولة"، وتضاؤل خطاب المقاومة والتحرير، وضعف ثقافة المقاومة، وبروز ثقافة الاستهلاك والبحث عن حلول فردية. في هذا المناخ، عانت الأحزاب والتنظيمات من استقطاب السلطة التنفيذية لبعض كوادرها القيادية، ومن غياب الديمقراطية الداخلية. ما أدّى إلى جمود وتحجّر فكري وتنظيمي. كما فقدت العديد من التنظيمات والأحزاب السياسية، وخصوصاً اليسارية، بعضاً آخر من كوادرها الذين اتجهوا للعمل في العديد من المنظمات غير الحكومية التي انتشرت بدرجة كبيرة قبيل اتفاقات أوسلو، لكنها استفحلت بعدها في منحى غربي منظم لتفريغ الفصائل من طاقاتها الخلاقة الأكثر مراساً (جاد2007).
وظلت معظم أشكال التنظيم الجماهيري أسيرة فئويتها السياسية. ما حرمها من أن تصبح حركات جماهيرية معبرة عن الشرائح التي تنبري لتنظيمها. وبقيت الاتحادات الشعبية والمهنية موزعة على خطوط العمل السياسي الفئوي، بل أضيف عليها عنصر جديد تلخّص في صراع حاد ما بين قيادات تلك الاتحادات في داخل الضفة الغربية وقطاع غزة وبين قيادات الاتحادات الشعبية الوافدة مع السلطة بعد أوسلو، والتي رأت في نفسها القيادات "الحقيقية والشرعية" الممثلة لكافة التجمعات الفلسطينية بما فيها تجمعات "الداخل".
خطاب "بناء الدولة"
أدّت سيادة خطاب "بناء الدولة" والذي تزامن مع الانتشار الكبير لأشكال متعددة من المنظمات غير الحكومية، إلى استقطاب أعداد كبيرة من الكوادر الجماهيرية الشابة في إطار مشاريع "تنمية" متعددة الأهداف والمسارات، وإلى سيادة ثقافة العمل بالمشروع (project oriented). فانتشرت مشاريع "تمكين المرأة" اقتصادياً عن طريق مشاريع صغيرة مدرّة للدخل. وبموازاة ذلك، تم العمل على مشاريع هدفها المعلن "تمكين المرأة سياسياً"، عن طريق الالتحاق بالمناصب السياسية العامة مثلاً. وكانت معظم تلك "المشاريع" بشقيها الاقتصادي والسياسي، تتم بمعزل عن رؤية الوضع العام الذي يؤثر بشكل كبير على نجاح واستدامة تلك "المشاريع" والذي حكمه ظروف الاحتلال، ما أدى إلى فشل العديد من تلك المشاريع.
وعلى الرغم من نجاح العديد من المنظمات غير الحكومية في تقديم خدمات هامة وحيوية لشرائح اجتماعية عديدة إلا أنها لم تستطع أن تشكل بديلاً لا للأحزاب السياسية التي أصابها الوهن، ولا للمنظمات الجماهيرية التي نجحت في استقطاب وتنظيم أعداد كبيرة من الجمهور، كما في الانتفاضة الأولى مثلاً. أيضاً، لم تستطع فرز قيادات جماهيرية على المستوى الوطني وبقى "كل أمير سيداً في مقاطعته، متهيباً من دخول المدينة".
هذا الوهن التنظيمي أدّى إلى تراجع كبير في خطاب وثقافة التيار الوطني و"الديمقراطي العلماني" الذي أصبح محكوماً بخطاب الليبرالية الجديدة المعولم عن "حقوق الإنسان" و"الحكم الصالح" و"مساواة المرأة"، من دون قدرة حقيقة على ترجمة هذا الخطاب إلى برامج عمل تحملها أحزاب سياسية أو شرائح اجتماعية محددة، ما جعل هذا الخطاب غير قادر على أن يشكل قوة سياسية أو اجتماعية حقيقية على الأرض. ما أفسح مجالا أوسع لخطاب وثقافة التيارات السياسية الدينية.
وتمكّنت التيارات السياسية الدينية ("حماس" بالأساس، بالإضافة إلى "الجهاد الإسلامي")، من كسب شرعية وتنظيم أعداد كبيرة من الجمهور، عن طريق تبني ثقافة المقاومة والتصدي لمجابهة الاحتلال بالعمل العسكري، سواء ضد الجنود والمستوطنين أو عن طريق عمليات تفجيرية داخل إسرائيل. كما استخدمت حركة "حماس" العديد من المؤسسات الاجتماعية والاقتصادية كآليات لاستقطاب وتنظيم الجماهير، وهي الأشكال التي كانت تستخدمها الحركة الوطنية والديمقراطية في السبعينيات في الضفة الغربية وقطاع غزة لخدمة القطاعات المتضررة من سياسات الاحتلال تحديداً.
وأدى التحاق قيادات الحركة النسوية التاريخية، خاصة في حركة "فتح" وبعض تنظيمات اليسار الأخرى (حزب "فدا" مثلاً) ، بجهاز السلطة الحكومية ما بعد أوسلو إلى تأثر الحركة النسوية الفلسطينية بخطاب "بناء الدولة"، وأيضاً إلى المساهمة في إعادة إنتاجه وتعميمه. فركز على مطالبة السلطة بتحقيق قضايا "المساواة"، "الإصلاح القانوني"، "العنف ضد المرأة"، أي التعامل مع السلطة كسلطة تبني دولة تتمتع بالسيادة وذات سيطرة على مواردها، شعبها ومقدراتها ما يتناقض مع استمرار الاحتلال.
السخط على السلطة
تحمّلت النساء، بمشاركة بعضهن أيضاً، تبعات السخط الجماهيري الذي كان يزداد على السلطة الفلسطينية بسبب تزايد الفجوة الاجتماعية بين من أصبح لديهم امتيازات بسبب قربهم من مراكز النفوذ داخل السلطة وبين غالبية أصبحت متضررة بشكل مستمر من سياسات الاحتلال. وتركزت تلك الامتيازات في بطاقات مرور تضمن حرية الحركة لشريحة صغيرة في السلطة، مخصصات وامتيازات شهرية لتلك الشريحة ولأفراد عائلاتهم، ... بالإضافة إلى ما أشيع عن احتكار بعض المتنفذين لبعض السلع الأساسية (وقود، سكر، طحين، زيت، ...)، بالاتفاق مع بعض الموردين الإسرائيليين. ما أدى إلى نشوء قناعة شعبية بأن بعض المتنفذين في السلطة يبنون ثروة ونفوذ لهم بالتعاون مع أطراف إسرائيلية، ولا يضير تلك المصالح في شيء بقاء النفوذ والسيطرة الإسرائيلية على الأراضي الفلسطينية. وقد بنت هذه الشريحة (داخل السلطة، ومعظمها من حركة "فتح") خطابها السياسي على مواقف معادية لاستمرار أي فعل مقاوم لسلطة الاحتلال الإسرائيلي، واعتمدت المفاوضات السياسية كتوجه استراتيجي وحيد للوصول إلى اتفاق سياسي مع إسرائيل.
عبّر هذا السخط عن نفسه في الانتخابات التشريعية الثانية في كانون ثاني 2006، والتي أتت بحركة "حماس" إلى السلطة السياسية، ومن ضمنها بالطبع وزارة شؤون المرأة. وتبع الانتخابات رفض ما يطلق عليها بالرباعية الدولية_ لنتائجها، والتهديد بعدم تمويل أي سلطة تكون "حماس" جزءاً منها. ما عرقل تشكيل حكومة وحدة وطنية كما عرقل إمكانية التعاون مع السلطة الجديدة.
صراع "القوى" – "حماس"
إن الصراع بين نشيطات القوى الوطنية ونشيطات الإسلاميات من "حماس" بعد وصول الحركة إلى السلطة، أصبح مؤشراً هاماً على ما آلت إليه الحركة النسوية بعد أوسلو، والتي تتسم بالشرذمة والانقسام بين ما أصبح يطلق عليه اسم "الأجندة الاجتماعية" (أي وضع مصالح النساء، كما تراها النخبة النسائية، على رأس أولويات النضال الجماهيري) وبين "الأجندة الوطنية" (أي وضع مقاومة الاحتلال ودعم الشرائح المتضررة منه على رأس تلك الأولويات). الصراع داخل وزارة شؤون المرأة حول الأجندتين، والذي يعكس الصراع الأكبر بين القوى الوطنية والقوى الإسلامية، كان تجسيداً لهذا التشرذم وتعبيراً عنه.
إذ تأسست وزارة شؤون المرأة أو ما يعرف في أدبيات التنمية بـ"الآلية الوطنية لدمج وتعميم النوع الاجتماعي" في العام 2003 في ظروف صعبة، علماً أن معظم الآليات الوطنية تأسست في إطار دول مستقرة كاملة السيادة. هذا الظرف الصعب حمّل تلك الآلية مهمّتين في آن: مهمة انجاز مرحلة التحرر الوطني، والأخرى تعميم ودمج النوع الاجتماعي (Gender Mainstreaming). هذا الظرف نفسه أدى إلى انقسام النساء العاملات من قلب السلطة بين سلطتين: سلطة في الضفة الغربية تأخذ كأولوية مرحلة بناء "الدولة" و"الديمقراطية"، وسلطة أخرى في غزّة ترى أهمية حشد النساء وتمكينهن في سبيل استمرار المقاومة والدفاع عن الحق والوجود الفلسطيني في ظل سلطة "إسلامية".
كان الهدف من تشكيل وزارة شؤون المرأة في 2003 أن تمثل الآلية الوطنية الملقاة على عاتقها تعزيز المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة. وتمحورت مهام الوزارة بشكل أساسي حول وضع الاستراتيجيات الوطنية للنهوض بأوضاع المرأة الفلسطينية من دون أن يكون لها دورٌ تنفيذيٌّ مباشر في تطبيق مشاريع للنساء (وهو عكس المنحى الذي سارت عليه وزارة شؤون المرأة في غزة تحت حكم حركة "حماس"). أنجزت الوزارة منذ تأسيسها العديد من الاستراتيجيات التي عكست أولويات متغيرة من فترة إلى أخرى بحسب الرأس الذي تسلم الوزارة (من "منظمة التحرير الفلسطينية" أم من التيار الإسلامي)، ومدى درجة الوعي النسوي والخبرة للمجموعات المخططة.
الاستراتيجيات المعتمدة
عكست استراتيجيات وزارة المرأة تباعد الاهتمام بقضايا تحرير الوطن كلما استفحل أثر الخطاب المعولم لمنظمات التمويل الدولية. فاستندت إستراتيجية وزارة المرأة في العام 2004 على رؤية "الإستراتيجية الوطنية للمرأة الفلسطينية" (أقرت في العام 1997 بالاتفاق مع وثائق المؤتمرات الدولية والإقليمية، بما فيها اتفاقية إلغاء كافة أشكال التمييز ضد المرأة (1979))، التي وضعتها الحركة النسوية قبل دخول قياداتها السلطة، وقامت على رؤية الأطر النسوية الفاعلة في حينه، وكذلك رؤية "الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية" بالتركيز على قضية التحرر الوطني ودور النساء في مواجهة الاحتلال وأهمية التعاون والتضامن الدولي لفضح ممارسات الاحتلال ضد النساء بشكل خاص والشعب الفلسطيني بشكل عام. إلا أن تغييرا طرأ على الرسالة والرؤية في إستراتيجية 2004 في ما يتعلق بحمل المهمّتين ليتم التركيز على مهمة أساسية برزت بشكل واضح وهي: "بناء وتنمية الوطن الفلسطيني الديمقراطي، وترسيخ مجتمع مدني فاعل تحكمه القيم الوطنية والحضارية والإنسانية" (وزارة شؤون المرأة، 2004). بذلك، أصبح التركيز الأساسي على "بناء الوطن - الدولة" وليس على انجاز مهمة تحريره. ومع تقدم عمل الوزارة، تم العمل على وضع خطة أخرى للفترة الممتدة ما بين 2005-2007 والتي ركزت على أولويات تتعلق بالتعليم والتدريب المهني والتقني للشابات، ودعم وصول المرأة لمواقع صنع القرار، وفقر الشابات وخاصة معيلات الأسر. كرست هذه الخطة مرة أخرى التركيز على جوانب التنمية والبناء، وإن كان محور وصول المرأة لمراكز اتخاذ القرار قد حاز على شعبية بين النساء العاملات في وزارات السلطة المختلفة ودعم الكثير منهن لتحسين أوضاعهن الوظيفية في الحكومة.
النسويات و"حماس"
بعد وصول حركة "حماس" للحكم ورفض معظم القوى الوطنية المنضوية تحت "منظمة التحرير الفلسطينية" التعاون معها في إطار حكومة جامعة، فانعكس ذلك على وزارة شؤون المرأة تحت حكم الإسلاميات. إذ، وعلى الرغم من المنحى التطميني_ الذي انتهجته أول وزيرة من التيار الإسلامي تتولى هذه الوزارة، إلا إن الضغوط الدولية والسياسية، خاصة من الرباعية الدولية، حالت دون إمكانية التعاون. كما أن الرفض المسبق وعدم الاعتراف بنتائج الانتخابات من النخبة النسائية والنظرة الدونية للإسلاميات ك"غير واعيات نسوياً"، أدّى إلى تكريس هذا الرفض وعدم التعاون. تجب الإشارة هنا إلى أن غموض أو عدم وضوح رؤية متبلورة لحركة "حماس" ونسائها تتعلق بكيفية التعامل مع مطالب الحركة النسوية، زاد من شكوك بعض النسويات والفاعلات في تلك الحركة، ما أدّى إلى عدم التجاوب مع تلك التطمينات.
ونتجَ عن وصول وزيرتين من حركة حماس إدخالُ تعديلات على رؤية وزارة شؤون المرأة. فعلى الرغم من استمرارية العمل في المنحى التطميني عبر الإقرار بأن هناك قضية للنساء جوهرها التمييز ضدهن في المجتمع، ومع ضرورة إيلاء قضايا المساواة والعنف وإصلاح القوانين أولوية (كما أشارت الخطط الإستراتيجية السابقة)، إلا أنه أضيف لذلك عنصر جديد يتعلق بالتوجه "العملي" لدعم النساء بالتركيز على الشباب والشابات، وأيضاً على نساء الشهداء والمعتقلين والأسرى، أي التركيز على المجموعات المتأثرة بسياسات الاحتلال أساساً والعمل على دعمها. أي دعم الشرائح التي تسعى الحركة الإسلامية إلى جذبها عن طريق تقديم الخدمات والرعاية لها.
هذا المنحى سيصبح هو مجال التركيز الأساسي لوزارة شؤون المرأة في غزة بعد الانقسام بين حكومتي "فتح" و"حماس" في حزيران 2007. لكنّ وجود وزيرات إسلاميات على رأس الوزارة أدى إلى شلل عمل الوزارة بسبب الصراعات الداخلية الشديدة والتي كان جوهرها الرفض السياسي والمسبق للقادمات الجدد.
كان يمكن.. لولا أن
بعد الانقسام، وفي ظرف سياسي مشحون في الضفة الغربية، أعدّت إستراتيجية جديدة لوزارة شؤون المرأة للفترة بين 2008-2010 ركزت على الأولويات السابقة مع إضافة أولوية جديدة تتعلق بمحاربة العنف ضد المرأة وإستراتيجية شاملة لمحاربة العنف ضد النساء في المجتمع الفلسطيني للفترة 2011-2015، حيث تم التركيز بشكل أساسي على العنف الأسري مع إهمال عنف الاحتلال. يجدر لفت الانتباه هنا عند الإشارة التي وردت عن القرار 1325 تحت بند استخدام آليات القانون الدولي لتقديم شكاوى من النساء المعنّفات في فلسطين ضد الاحتلال الإسرائيلي وخاصة في محكمة الجنايات. ولكن، لم تتمّ الإشارة في التوصيات إلى كيفية تحقيق ذلك، وهو القرار، الذي لو أحسن استخدامه، كان بإمكانه أن يشكل آلية لتجريم السياسات الإسرائيلية في المحافل الدولية وحشد الدعم للقضية الفلسطينية ولنساء فلسطين.
ولكن، سرعان ما تغيرت تلك الأولويات مرة أخرى في إستراتيجية عام 2011-2013 والتي حوت على عدد كبير من المحاور والأولويات. الأهم من ذلك أن هذه الإستراتيجية قد عادت وأدخلت بعض القضايا التي تتعلق بقضية التحرر الوطني وأهمها التركيز على ملف النساء المقدسيات، خاصة في ما يتعلق بتمكين المرأة المقدسية من المحافظة على حق الإقامة والتنقل والمواطنة في القدس. كما أدخلت الإستراتيجية الأسيرات كشريحة يجب دعمها سياسياً ونفسياً ومادياً. لكن الإستراتيجية حوت العديد من الأولويات (9 أولويات) مع كثير من الأهداف الفرعية التي يصعب تطبيقها في المدة الزمنية المقررة. كما لم يكن هناك أيضاً التزام مالي واضح وكاف لتحقيق تلك "الطموحات" مقارنة بالدعم المخصص لمكافحة العنف ضد المرأة، على سبيل المثال.
ولكن الهام في الأمر هنا، أن قدرة النساء في الوزارة على ممارسة دور سياسي ضاغط لرأب الصدع السياسي بين كلا من الضفة الغربية وقطاع غزة (سيتم التطرق لوضع وزارة شؤون المرأة في قطاع غزة في مقال لاحق)، كانت منعدمة. إذ دانت النساء بالولاء للسلطة الفلسطينية في الضفة الغربية والتزمت بخطوطها العامة، وامتنعت تالياً عن التعامل، بأي شكل من الأشكال، مع وزارة المرأة في قطاع غزة. كما التزمت أيضاً بشروط الرباعية الدولية ومصادر التمويل المختلفة التي رفضت التعامل مع سلطة قطاع غزة. كما كان تأثير الوزارة منعدماً في وقف أو حتى التنديد بالممارسات الأمنية التي طالت العديد من الناشطات الإسلاميات في الضفة الغربية، سواء كن في منظمات طلابية أو جمعيات خيرية. ناهيك عن الممارسات التي طالت الأسيرات المحررات من الحركات الإسلامية والتي تعقبت بعضهن الأجهزة الأمنية وأدّت لمنع تشغيلهن أو قيامهن بنشاط سياسي ما. كما توطدت ثقافة "بناء الدولة" على حساب مواجهة الاحتلال وانجاز التحرر الوطني الذي نظر إليه البعض "كمشجب" تعلق عليه الإخفاقات في تمكين النساء وتطوير أوضاعهن. كما أن تأثير الوزارة كان ضعيفاً على مستوى حشد الدعم والتوعية بالقضية الفلسطينية بشكل عام وزيادة الدعم والتنسيق مع المنظمات والحركات النسوية في العالم.
في النتيجة، أدّى التركيز على "الأجندة الاجتماعية" إلى عدم قدرة حقيقية للنساء للوصول إلى تمكين الذات، وهو الأمر المرتبط بتمكين الوطن. كما ضاعت بوصلة تحرير الوطن بتشرذم الأجندات وانقسام النساء، ما ساهم في تعميق الانقسام السياسي السائد.
[ينشر ضمن اتفاقية شراكة وتعاون بين ”جدلية“ و”محلق فلسطين“ لجريدة السفير.]
مراجع
. التقرير الوطني الفلسطيني بيجين + 15، الرد على الاستبيان الموجه إلى الحكومات بشأن تنفيذ إعلان ومنهاج عمل بيجين (1995) ونتائج الدورة الاستثنائية الثالثة والعشرين للجمعية العامة (2000) أيار 2009. تقرير غير منشور، اسكوا
. جاد، إصلاح (2008) نساء على تقاطع طرق: الحركات النسوية الفلسطينية بين الوطنية والعلمانية والهوية الإسلامية، المؤسسة الفلسطينية لدراسة الديمقراطية (مواطن)، رام الله فلسطين
. وزارة شؤون المرأة، رؤية إستراتيجية وبرنامج عمل مرحلي، إصدار رقم /2004، آذار 2004. رام الله.
. وقائع اجتماع 2006، النساء في السلام والمفاوضات، المنتدى السياسي للنساء، محضر الاجتماع الثالث، تاريخ 26/2/2006، مقر مؤسسة مفتاح، رام الله.
. جريدة القدس (2006) "وزيرة شؤون المرأة تلتقي رئيسات الاتحادات النسوية"، جريدة القدس، يومية، عدد 13192، الصفحة الأولى، 2006، القدس.
. جريدة الحياة الجديدة (2007)، عدد 20/5/2007، رام الله.
Islah Jad, (2007) The ‘NGOisation’ of the Arab Women’s Movement, in Andrea Cornwall, Elizabeth Harrison and Ann Whitehead (eds.) Feminisms in Development: Contradictions, Contestations and Challenges, Zed Books. London
Reinprecht, Karin (2012) Gender in the Local Aid Coordination in the Occupied Palestinian Territories, draft.
إصلاح جاد أستاذة مشاركة في دراسات التنمية والمرأة، جامعة بير زيت.
1. تشكلت "الرباعية للشرق الأوسط" في مدريد بشكل دائم في أبريل (نيسان) 2002 بعد الاجتياح الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية على اثر الانتفاضة الثانية في سبتمبر (ايلول) عام 2000. ركزت عملها في حينه على "وقف العنف" وعلى إصلاح الأجهزة الأمنية الفلسطينية. عندما شكلت جسم دائم لها تم تعيين توني بلير كمفوض خاص لإدارة تلك الهيئة والتي أصبحت المرجعية لإدارة الدعم المالي الغربي للسلطة الفلسطينية، كما انشأت هياكل عديدة لإدارة هذا الدعم أهمها: Ad Hoc Liasion Committee والتي ترأسها النرويج بالمشاركة مع الولايات المتحدة وممثل الاتحاد الأوروبي، ويقوم بدور السكرتاريا البنك الدولي وأعضاؤها هم السلطة الفلسطينية، إسرائيل، كندا، مصر، صندوق النقد الدولي، اليابان، روسيا، الأردن، المملكة السعودية، تونس والأمم المتحدة. يتبع لهذه اللجنة أربع لجان أخرى تدير تمويل كل مشاريع العمل المتعلق بكل أجزاء السلطة الفلسطينية، فعلى سبيل المثال يتولى البنك الدولي للتنسيق لكل مشاريع القطاع الاقتصادي مع وزارة المالية الفلسطينية وهكذا بالنسبة لبقية الوزارات (Reinprecht، 2012).
2. قامت مريم صالح، أول وزيرة لوزارة شؤون المرأة في الحكومة العاشرة في الفترة ما بين 29/3/2006 إلى 15/2/2007، بلقاء رئيسات وقيادات المنظمات النسوية بهدف التواصل والتعارف بتاريخ 11/5/2006 (جريدة القدس، 2006)، وأيضا آمال صيام، ثاني وزيرة في حكومة الوحدة الوطنية (الحادية عشر) التي تشكلت في 17/3/2007 وانتهت مع سيطرة حركة حماس على قطاع غزة في 14/6/2007 والتي دعت هي أيضا للقاء المنظمات والاتحادات النسوية ولم يلبِّ الدعوة إلا القلّة (جريدة الحياة الجديدة، 2007)_
3. على سبيل المثال، عُقِدت عدة لقاءات لبعض القيادات النسوية، بتنسيقٍ من مؤسسة مفتاح (رام الله)، لفهم سبب "الانقلاب في الموازين" وتم التركيز على ضرورة مراجعة كل أشكال العمل النسوي ومنظّماته والخطاب الذي تمّ تبنّيه واستخلاص العبر، وانتقدت في هذا الاجتماع نخبوية العمل النسوي وتركيزه على شريحة المثقفات في منطقة الوسط وضرورة تغيير طرق التواصل مع النساء، ولكن لم تُقَرّ أهمية فتح قنوات حوار مع القادم الجديد وتم تجاهل الممارسات الأمنية المتعسفة الممارسة تجاههم (وقائع اجتماع في مؤسسة مفتاح 2006). إذ، على سبيل المثال، تم استدعاء الوزيرة الثانية في حكومة الوحدة الوطنية قصيرة الأجل (تقريبا منتصف 2006- لمنتصف 2007)، آمال صيام، أكثر من مرة للتحقيق معها من قبل الأجهزة الأمنية في منطقة رام الله ما استدعى الدائرة الإعلامية في وزارة شؤون المرأة في غزة لإصدار بيان ضد هذا المسلك.
4. وصل الأمر لوضع حراسة على مكتب الوزيرة مريم صالح بعض محاولة إحدى كبار الموظفات الاعتداء عليها، ناهيك عن رفض التعاون وعدم تسليم ملفات عمل الوزارة.